دمشق-سانا
أكدت نائب رئيس الجمهورية الدكتورة نجاح العطار ضرورة مواجهة أطروحات الغزو الفكري الأجنبي باسم الحداثة والعصرنة والتي تدعو للتنكر للتراث واللغة وقطع جذورنا الحضارية وإضاعة كنزنا الثقافي وإحداث قطيعة معرفية بين تراثنا وراهننا وتغريب الشخصية الوطنية العربية.
ونبهت الدكتورة العطار خلال افتتاح المؤتمر السنوي العاشر لمجمع اللغة العربية بدمشق في مكتبة الأسد الوطنية اليوم “كل الذين انساقوا وراء مفاهيم خاطئة قد تسهل السقوط على أعتاب نمطيات معادة أو مستعادة وأن اللغة تشكل عائقا أمام التقدم والتطور محذرة من الإصغاء لتوصيات دوائر أجنبية ومؤسسات تملي علينا ضرورة التخلي عن لغتنا في التعليم تحت عناوين ألا سبيل للدخول في العصر إلا باستخدام لغات الدول العظمى ومنذ مراحل التعليم الأولى داعية إلى مواجهة تلك الأطروحات بأشد حالات الوعي والحذر.
واعتبرت الدكتورة العطار أن هذه الأطروحات تؤدي لاغتراب الفئة المتعلمة في مجتمعاتنا عن مواطنيهم وإلى التعثر في الإبداع والسقوط في حال من الضياع إذا هم أغفلوا لغتهم وتعلموا بلغة الغير وحدها ما يمنع عليهم الاندماج الاجتماعي والسياسي والثقافي أو إمكان الإسهام في خلق نموذج عربي للتحديث الفكري والعلمي في مجتمعاتهم داعية إلى عدم السماح بعزل اللغة العربية أو وضع الحواجز أمام انطلاقها تحت أي ذريعة من ذرائع تزييف الوعي التي تتهمها جهلاً وزوراً بالقصور وعدم القدرة على أن تكون لغة علم وفكر.
وأكدت نائب رئيس الجمهورية أن الأمة العربية بحاجة إلى الحفاظ على مصداقية توجهها وتعزيز الإيمان بلغتها التي صار القابض عليها كالقابض على الجمر وأن “الثقافة العربية هي وهج في الحرف وحضارة في اللسان ازدهرت والوحي بلغتها تنزل” وقالت: “نحن أبناء أمة تحمل إرثها في دمها وفي ذاكرتها وفي لغتها المشحونة بهذا الموروث العظيم ولغتنا هي هويتنا ونحن المؤتمنون عليها وعندما تصبح هوية تصبح هي الحضارة والثقافة والفكر والأدب بل تغدو المعطى الوجودي الأشد أهمية في حياة الأمة والحلقة المركزية التي تعكس خصائصها وتربط بين أجيالها فهي ليست لغة فحسب بل تراث وضمير وتكوين نفسي وعقلي ووطني وانتماء الى تاريخ وسياج دفاع عن الذات والقيم والمقدسات”.
ولفتت الدكتورة العطار إلى أن اللغة هي الوحدة الكيانية في صميم تكوين كل أمة وهي الضمير الجماعي لها الناظم لتماسكها ولنسيج حياتها الإنسانية وجودا وتناميا ولإرادتها الكلية واللغة العربية هي الرابطة القومية الأصيلة وهي الوحدة والاصرة والعروة الوثقى التي صمدت واستعلت وحققت انتصارها في وجه كل المحاولات التي استهدفت تغييب الثقافة العربية بعامة واستلابها.
وأكدت نائب رئيس الجمهورية أن لغتنا العربية لم تسقط يوما في الجمود والانغلاق واستطاعت أن تواكب فعلا العصور كلها التي مرت عليها وأن تكون لغة كل عصر بكل معطياته وبما في ذلك مراحل الوهن من تاريخها لتحقق انتصارها الرائع وقدرتها الفائقة على نقل كل ألوان الحداثة وعلومها وفلسفاتها في أشكالها الأكثر ثورية ومصطلحاتها المرتبطة بجديد مفاهيمها.
ورأت الدكتورة العطار أننا في زمن ترتكب فيه باسم العلم والحداثة بحق اللغة خطايا لا حد لها وتتباعد خلاله المسافات بين الأهل وتتمادى المراوغات الدولية بأشكال عدوانها وتنهب الأرض وحقوق الشعوب.
وأشادت نائب رئيس الجمهورية بالدعم الكبير الذي تتلقاه لغتنا من السيد الرئيس بشار الأسد مؤكدة أنه كان للغة العربية حيز كبير في تفكيره تجلى في قرار مؤتمر قمة دمشق الذي يخص اللغة العربية والذي كان تاليا لقرارات أخرى اتخذها في مقدمتها المشروع القومي للتمكين للغة العربية والاهتمام بتجديد مجمع اللغة العربية ورفع التغريب عن مدننا التي أراد لها أن تكون قلاع صمود وموئل قلم.
وأضافت العطار “يجب ألا ننسى أننا في زمن يتهدد وجودنا ومصيرنا من جراء طمع الامبريالية وهجماتها المتواصلة لفرض هيمنتها علينا حيث نجحت في تمزيق صفوفنا وإخراج بعض بلداننا من خندق كفاحنا ما جعل أقطارنا تواجه أوضاعا حرجة مربكة” مؤكدة في الوقت نفسه أن أمتنا العربية رغم كل هذه الترديات ما زالت تعيش كفاحا باسلا طويلا عزيزا مقتدرا مؤمنة بضرورة المزيد من التنسيق والتضامن ما يعطيها دفعا قوياً في جبه التحديات وردع الاعتداءات وتحرير الأرض واسترداد الحقوق ويؤهلها للظفر المرتجى في معركة الوجود معركة المصير والصراع العربي الاسرائيلي والأحلاف الموجهة ضد امتنا لا سورية وحدها.
وخاطبت الدكتورة العطار أعضاء مؤتمر مجمع اللغة العربية الذين حملوا الرسالة مع كل المعنيين داعية للعمل جاهدين على متابعة النهج الصحيح وإكمال تجربة سورية المتقدمة متمنية للمؤتمر النجاح والقدرة على الإسهام في الانتصار للعربية واسترداد دورها التاريخي الكبير في البلدان العربية لتظل في ثوابت الأمة مشعلا في قبس الفكر العظيم.
وقال رئيس مجمع اللغة العربية الدكتور مروان المحاسني في كلمته: إن “مؤتمرنا اليوم يسعى إلى توصيف اللغة العربية في عالمنا الحاضر المتسارع الخطوات في انجازاته العلمية والتقنية بهدف إيصالها إلى احتواء توطين العلوم في طيات مخزونها اللغوي الفريد لنعيد إليها موقعها العالمي في حداثة سريعة التطور ليسهل تطابقها مع منتجات هذه الحداثة.
وأضاف المحاسني “اعتزازنا بلغتنا لا يسمح لنا بقبول تشويهها أو تهميشها بل لا بد من جعلها محركا لوصول أبنائها إلى الإبداع بعد أن يتفهموا جميع العلوم الحديثة باعتماد لغتهم القومية” داعيا إلى عدم إهمال التعمق في الدراسات التي تكشف ما في أعماق تراثنا من نزعات بناءة وتساؤلات قد يساعدنا العلم الحديث على تفهم دوافعها”.
من جانبه استعرض الأمين العام لمجمع اللغة العربية بدمشق الدكتور محمد مكي الحسني الجزائري منجزات المجمع خلال السنوات التسع الماضية وأهم النشاطات الثقافية والندوات والمحاضرات التي نفذها خلال هذ المدة إضافة إلى الإصدارات والمطبوعات والمجلدات واستقبال الأعضاء الجدد الخمسة وإنشاء موقع للجنة على الشابكة وإصدار 23 كتابا عن سير أعضاء المجمع الراحلين فضلا عن الأنشطة المتنوعة للجان المصطلحات باختصاصاتها المختلفة.
وقال عضو مجمع اللغة العربية الأردني محمد حور في كلمة المشاركين: إن مؤتمرات مجامعنا اللغوية تطرح تصوراتها وتضع برامجها في سبيل النهوض باللغة العربية وتحديد التبعات الملقاة على عاتقها والصعوبات التي تواجهها إلا أنها ماضية في طريقها لتبقى لغتنا عنوانا بارزا من عناوين أمتنا.
وتتضمن جلسة اليوم الأول من المؤتمر الذي يستمر ثلاثة أيام محاضرات في محور المحتوى الرقمي العربي على الشابكة بمشاركة أعضاء من عدد من مجامع الدول العربية في العراق والجزائر.
حضر حفل الافتتاح وزير التعليم العالي الدكتور بسام ابراهيم والمستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية الدكتورة بثينة شعبان وعدد من رؤساء مجامع اللغة العربية في الوطن العربي وأعضائها وحشد من الباحثين والمثقفين والكتاب.
شذى حمود-سامر الشغري