تأليف: ابن غانم، عبد السلام بن أحمد، المقدسي، عز الدين المتوفى سنة 678هـ/1280م.
مخطوطة برقم: 10833، عدد أوراقها: 27 ورقة، نسخت سنة 1232هـ.
هو مخطوط في الأدب عبارة عن محاوراتٍ نثرية وشعريةٍ بين الطيور والأزهارِ والمؤلف، القسم الأول منها في إشارات الأزهار، والقسم الثاني في إشارات الطيور، والقسم الثالث في إشارات الحيوانات.
الهدف من تأليفه: هو توجيهُ الوعظِ لأبناءِ جنسهِ من البشر، وحثِّهم على الفضائلِ الأخلاقيةِ، وذلك على لسانِ الطيورِ تارةً، والأزهارِ تارةً أخرى.
وقد استخدم المؤلفُ جميعَ أساليبِ علمِ البديع، كما استخدم أسلوبَ التلميحِ لتوصيل مايريده.
إشارة الورد 4/أ ـ ب
ثم سمعت مجاوبةَ الشحارير بأفنانها، والأزاهيرَ بألوانِها، فرأيت الوردَ / يخبرُ عن طيبِ ورودِه، ويعترفُ بعرفِه عندَ شهودِه، فيقول: أنا الطَّيفُ الواردُ بين الشتاءِ والصيف، أزورُ كما يزور الضَّيف، فاغتنموا وقتي، فإن الوقتَ سيف، أُعطيْتُ نفَسَ العاشق، وكُسيْتُ لونَ المعشوق، فأروّحُ الناشق، وأهيّجُ المشوق، فإنا الزائر وأنا المزور، فمن طمع في بقائي فإن ذلك زور، ثم من علامةِ الدَّهرِ المكدورِ والعيشِ الممرورِ أنَّني حيث ما أنبتُ الأشواكُ تزاحمني وتجاورني، فأنا بين الأدغالِ مطروح، وبنبالِ شوكي مجروح، وهذا دمي على خدِّي يلوح، فهذا حالي، وأنا ألطفُ الأوراد، وأشرفُ الورَّاد، فمن صَبر على نكدِ الدُّنيا فقد بلغ المراد، وبينما أنا أرفلُ في حُلَلِ النَّضارة إذ قطفتني يدُ النظّارة، فأسلمتني من بين الأزاهيرِ إلى ضيق القوارير، فَيُذاب جسدي، ويُحرَق كبدي، ويُمزَّق جِلدي، ويُقطَّرُ دمعي النّديِّ، ولا يقام بأودي، ولا يؤخذ بقودي، فجسدي في حرق، وجفوني في غَرَق، وكبدي في قلق، وقد جعلْتُ مارشحَ من عرقي شاهداً لما لاقيتُ من حرقي، فيتأسى باحتراقي أهلُ الاحتراق، ويتروَّح بنفسي ذوو الأشواق، فأنا فانٍ عنهم بإياي، باقٍ فيهم بمعناي.