الدكتور محمد الأحمد

(الشاعر عمر النص بين الدبلوماسية واﻷدب)

عمر النص الشاعر الدمشقي الكبير الذي عمل في شتى علوم الأدب والإبداع، كتب الشعر، له مؤلفات في المسرح والفلسفة، و قال عنه الشاعر الكبير بدوي الجبل: “إنه شاعر العرب الأكبر”.

و بحضور ورعاية الأستاذ محمد الأحمد وزير الثقافة وضمن فعاليات مهرجان دمشق الثقافي أقيم مساء اليوم في مكتبة الأسد الوطنية ندوة قامات في الفكر واﻷدب والحياة (الشاعر عمر النص بين الدبلوماسية واﻷدب)

وخلال الندوة ألقى السيد الوزير كلمة ابتدأها بابيات للشاعر الكبير : “
أأَنْتِ كَتَبتِ أحَرُفَها أَانْتِ؟ وَكَيْف كَتَبَتِها وَلِمَنْ كَتَبَت؟
الي هذا الأريج يَدَق بابي ويقهر وحشتي ويدك صمتي
أَقبلها… وَأَدفنها بصدري كأَنّك خلف أحرفها استترت!
أتلك قُصاصة؟ أأنا خيال تهم شجونه فتكاد تحكي؟
يكاد الأمس يَلُهث في عروقي وَيَزرع في جفوني ألف شك
بعثت بها إلي فجن شوقي ونوت بوحشتي وسئمتُ نسَكي
فأَتركها على رهق وَأَمْنِ وتترُكُني على قلق وفتك
أحاول أَن أَكلَمُها فاعيا فَاقَرأ ثم أَقرأ..ثم أبكي!

وتابع السيد الوزير حديثه: كان جدي، بدوي الجبل، يشجعنا على القراءة أنا وبقية أحفاده من نعومة أظفارنا، ذات يوم رأيت جدي يمد لي كتابين أنيقين باذخي الورق والغلاف والإخراج، قائلاً لي: إقرأ هذا الشعر، وقرأَتَهُ فسحرت به، وأصابني دوار المفتون، وسكرة المأخوذ، ودهشة الوقوف في حضرة الجمال لقد كان هذان الكتابان أول ديوانين يصدرهما شاعرنا الكبير عمر النص، الذي نحتفي به اليومولهذا جاء ديوانا «كانت لنا أيام» و «الليل في الدروب» ليتركا في قلبي وقتئذ ما يتركه المطر الكريم في قاحل الأرض وأديمها المغير.

وأردف الأحمد: ذات يوم سمعت جدي يعطي موعداً لعمر النص عندنا في البيت، ولم أكن أنا قد رأيته قبلاً، وكان جدي يستقبل ضيوفه في النصف الأول من النهار، وكنت حينئذ طالباً في الجامعة مواظباً على حضور الدروس كلها. إذن سيأتي عمر النص ولن أكون موجوداً. حينئذ لم يكن مفر من اللجوء إلى عذر ما، فاستأذنته في الا أذهب إلى الجامعة ذلك اليوم، رغبة مني في تعرف شاعري المفضل، وهذا ما كان، وقد جلست في حضرته وهو يتسامر مع جدي، محدقا بإعجاب في كلِ تعابير وجهه وإيماءات يديه، وتفاصيل ثيابه. فتذكرت قول تشيخوف: كل شيء في الإنسان ينبغي أن يكون رائعاً: وجهه وثيابه وروحه وأفكاره. فقد كان عمر النص في ذلك اللقاء مثالاً للروعة كما عناها تشيخوف بأعلى تجلياتها، لقد فتنت بشخصه بعد أن فتنت بشعره، وفتنت أيضاً بأدبه الجم وحزن عينيه وصمته العارف.

عمر النص، شاعراً وإنساناً ورجلاً وسيماً نبيلاً، مثال فريد لالتحام المضمون العميق بالشكل البهي.

وختم السيد وزير الثقافة حديثه بأن وزارة الثقافة لتفتخر باستذكار ماخلفه لنا عمر النص من فيض مشاعر وتجليات روح.

ثم تحدث الدكتور محمد شفيق البيطار عن الموسيقا في شعر عمر النص البحور في ديوان الأول لعمر النص 
بنى النص قصائد ديوانه الأول “كانت لنا أيام” على سبعة بحور وهي الخفيف 6قصائد، الطويل 5قصائد والمتقارب 5قصائد الوافر 4قصائد، الرمل 3قصائد والسريع 3قصائد الكامل قصيدتان، ويلحظ أن البحر الخفيف استأثر بوزن ست قصائد وهو بحر محبب لدى أصحاب النزعة الرومنسية، غلبة البحر الخفيف والطويل على كثير من قصائده ذات الصبغة التأملية أو الفلسفية، واعتماده على المجزوءات في المواقف التي تهز وجدانه من ألم أو فرح.
ليس في الديوان الأول شيء من التجديد في الأوزان سوى ما جاء من استعمال بحرين معاً، أما بقية شعره فيلحظ أنه جاءت 48 قصيده مجزوءة، وجاءت 13 قصيدة مشطورة، وبذلك يكون مجموع المجزوءات والمشطورات 68 قصيدة من أصل 131، وعدد من قصائده على مجزوء المتقارب أو المجزوء المتدارك وهما نادران في الشعر العربي قديمه وحديثه.
من التجديد أنه مزج بين بحرين في قصيدة “نشيد الأنشاد” فجعل المطلع والخاتمة على البحر الطويل والحوار على المتقارب.

وبدوره الدكتور محمد قاسم تناول موضوع ” اللغة في شعر عمر النص”و قال: كانت حياة عمر النص ملأى بطلب العلم بلغات ثلاث العربية والفرنسية والانكليزية، وبالعمل في حقل السياسة والاقتصاد، ويكتنف ذلك سعة في العيش وبحبوحة في الرزق إلى مكانة اجتماعية مرموقة، إن ما جُبل عليه النص من كريم الطباع أبى أن يختطفه بهرج الحداثة أو أن تستحقه الشهرة، وليس فيما كان عليه النص من التواضع والهيبة والأمانة والصدق ما يغري دارسي الأدب والنقاده بالاقتراب منه على ماعلمت من أدبه وإتقانه الحقيقي في الشعر شكلاً ومضموناً.
الملاحظ العامة على لغة عمر النص هو ثقافته الواسعة بالتراث العربي واطلاعه عليه وتمرسه بأساليبه وافتتنانه بأعلام العمالقة مثل البحتري الذي أوصله إلى صفاء لغته ومنحه وطناً للشعر يركن إليه. هو لا يبني معانيه على معانيهم إذ جل معانيه أبكار استولدها من نفس حيرى تنهشها الوساوس وتكبلها الظنون، بل يجيل بصره في ألفاظهم وتراكيبهم فيحلوها بموهبة فذة ويزيدها حين يرصفها بريقاً ولمعاناً.

أما الدكتور إحسان النص نجل الشاعر الكبير فكان محور حديثه تحت عنوان “الوالد في صورة وجدانية” وتحدث خلاله عن محطات كثيرة ومواقف عديدة وحياة عامرة بكل معاني العطاء والحب والإخلاص، حياة ثمارها يانعة وقطوفها دانية لمن يقترب منها بحب فيتناول مالذ وطاب، بحر عميق يمكن أن يغترف منه كل طالب علم وكل حريص لمعرفة هذه الشخصية الفذة، وكنز ثمين لكل من عرفه وعاش معه.
وتابع د. إحسان: عمر النص هو الغائب الحاضر بيننا، غائب بجسده فقط ولكنه حي حاضر بأخلاقه الكريمة وقيمه الإنسانية وإنتاجه الثري الذي خلفه وبصماته المؤثرة التي تركها شاهدا على حياة زاخرة بالعطاء والخير العميم. 
وايضا ألقى أ.عصام الحلبي قصيدة شعرية للشاعر الكبير وأدار الندوة د.اسماعيل مروة.
جوني ضاحي
تصوير: رامي الغزي

Tags: No tags

Comments are closed.