كيف لنا أن نملأ البحر في قارورة وأن نختصر ببضع كلمات أكثر من ثمانين عاماً من العطاءات الإنسانية المتواصلة.. هذا كان لسان حال مئات المحبين الذين اجتمعوا اليوم ليكرموا قدوتهم الإنسانية السورية الاستثنائية وصانع الفرح في سورية الأب الياس زحلاوي في مكتبة الأسد الوطنية.سنوات من العمل والعطاءات المتواصلة والأب زحلاوي لم يسأم أو يتعب مكرساً حياته للإنسان والارتقاء به حيث الصفاء والفرح والنقاء و بصماته شاهدة له في الكلمة والموسيقا والمسرح والمواقف الوطنية فكانت ولازالت سورية هي روحه وفلسطين نبض قلبه.حفل التكريم الذي دعت له دار دلمون بحضور ممثلين عن مختلف مكونات المجتمع السوري تضمن توقيع كتاب زحلاوي “قد يكون لي ما أقوله” بجزأيه الأول والثاني والذي يخط فيه مسيرة حياته بما فيها من تنوع وغنى وإيمانه بوطنه ومساندة المستضعفين ونشر الثقافة والفرح محاوراً وصاحب موقف وقضية.ويلمس قارئ الكتاب وبالوثائق ما قام به هذا الكاهن الدمشقي الذي لم يتوقف عن العمل ورسائله المفعمة بالمحبة والمرارة إلى الفاتيكان وكتاباته في الصحف وتعليمه في الجامعة ودراساته المسرحية وترجمته أمهات الكتب وانهماكه في العمل الفكري والإنساني من غير أن تمنعه الحرب على سورية والتي حفرت عميقاً في وجدانه من تبصر المستقبل.نائب وزير الخارجية والمغتربين الدكتور بشار الجعفري تحدث خلال الحفل قائلاً إن الأب زحلاوي يجسد الحب عملياً في حياته فإذا عدنا إلى تاريخ تأسيسه جوقة الفرح نجدها انطلقت في ذات الفترة التي كانت سورية تعاني من الإرهاب والتعصب على يد ما يسمى جماعة الإخوان المسلمين وجناحها العسكري الطليعة المقاتلة التي تدعو إلى إفناء الآخر، وكأنه يرشدنا إلى الدواء الشافي للتخلص من الأمراض المميتة من خلال الفرح الذي يعني المقاومة والصمود واحترام الآخر بإنسانيته وعقيدته وانتمائه وهو الذي نجده في الصفوف الأمامية يدافع فيها عن مشرقنا بأكمله وعن الإنسان بكل مكان.وتابع الجعفري إن ما ألفه الأب زحلاوي من كتب وصلت إلى 37 كتاباً وما ترجمه من أعمال وهي تقارب 6 أعمال يشكل مساهمة عظيمة في نهضة الأمة العربية من كبوتها كما كان إخوته من قبل والذين ساهموا في نهضة الأمة في القرن التاسع عشر وتأسيسهم للفكر القومي العربي بدمشق وتخليصها من نير التتريك والاحتلال معرباً عن سعادته بتكريم هذه القامة الوطنية الشامخة التي تحمل تواضع الفيلسوف وجهد الكاهن وتسكن قلوب السوريين جميعاً.أما الإعلامي اللبناني غسان الشامي فقال في كلمة مماثلة إن الأب الياس يرى في نفسه نورساً سرمدي المحبة للشام وغوطتها فيه خصال النسور وعنفوان العقاب السوري الشهير مؤكداً أن هذا الكاهن المشرقي لن يتوقف عن القول والفعل ورفع الصوت ليجعل ما قاله ملكاً للأجيال الآتية وان في كل مرة يلتقيه يلمح فيه عالما من المحبة وكوكباً من الفرح يتقن عبور مسامير الآلام نحو الفرح والعطاء.الإعلامي اللبناني حسن حمادة الذي حالت ظروف الطقس دون حضوره أرسل كلمة قرأتها بالنيابة عنه عضو مجلس الشعب السابق ماريا سعادة جاء فيها إن الأب زحلاوي يعيش في غرفة صغيرة متواضعة تفوح منها روحانية ونقاء وتغلي حيوية ووجداناً واندفاعاً وإنسانية ووطنية مكرساً حياته لسورية وللإنسان السوري بكليته عملاً وثقافة وإيماناً وكفاحاً بعروبة حضارية رائدة من المحيط إلى الخليج.وتابع حمادة: أدى زحلاوي قسطاً من كفاحه دون توقف من جوقة الفرح حيث يتلقى أطفالنا دروساً في المحبة والفن الراقي والوطنية النقية إلى مراسلاته الجسورة القاسية الموجهة إلى المنابر وقادة الرأي في الغرب الذي وصل بهم الشر والتصهين إلى حد مصادرة المسيحية وإعادة تدويرها وابتداع شعارات لها تقصي المسيح وارضه وتنشر المظالم مستعرضاً مبادرات الأب زحلاوي السائر على درب رفيقه مطران القدس هيلاريون كابوجي داعياً أحرار العالم لدعم هذه المبادرة حتى يتحقق النصر الموعود.ووجه رئيس أساقفة سبسطية للروم الارثوذكس المطران عطا لله حنا خلال كلمة مسجلة رسالة محبة وأخوة ووفاء لسورية الأبية رئيساً وجيشاً وشعباً والتي وقفت دائماً إلى جانب القضية الفلسطينية وتآمر عليها المتآمرون لأنها دعمت الحق والعدالة والمستضعفين والمظلومين مؤكداً أن فلسطين التي تعلم فيها الأب زحلاوي وبقيت بذاكرته مدافعاً عنها وعن قضيتها وشعبها في جميع المحافل هي أيضاً وفية له وتكرمه كما دمشق لأنه الصوت المسيحي المشرقي العروبي المدافع عن أنبل وأعظم قضية عرفها التاريخ الإنساني الحديث.وأشارت مديرة الدار عفراء هدبا إلى أن الأب زحلاوي تحرر من تبعات الموقع حاملاً رسالته الإنسانية النبيلة مطلقاً صوته على اتساع المدى بأن الإنسان أولاً وأخيراً معتبرة أن الدار حظيت بقيمة مضافة من خلال طباعة كتابه.وفي ختام الحفل قال الأب زحلاوي: وجودكم اليوم بهذه الكثافة رغم البرد الشديد دليل مبادلتكم لي المحبة التي حاولت أن أعيشها بهذا البلد العظيم أما دعوتي ورسالتي لكم فهي احترام كل إنسان في هذا الوطن في حريته ولقمة عيشه ودفء جسده وعلمه وتطلعه لمستقبل كريم وشريف.ودعا الأب زحلاوي جميع المفكرين والمثقفين والمتخصصين لكتابة التاريخ الذي نعيشه بفكرنا ودمنا وجسدنا هذا التاريخ الذي دفع ثمنه لنا آلاف الشهداء.وتضمن حفل التوقيع عرض فيلم وثائقي بعنوان “صانع الفرح” من إعداد وإخراج رامي البدوي تحدث عن محطات من حياة الأب زحلاوي وتقديم درع تكريمي من تصميم الفنان التشكيلي أكسم السلوم بينما قدم الفنان التشكيلي بديع جحجاح من أعماله أيقونة “رمز المحبة”.
رشا محفوض
#تصوير: رامي_الغزي